السلام عليكم ورحمة الله
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم النبيين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ،و بعد
:
إنّ علم التوحيد ومعرفة أصوله، أشرف العلوم وأجلُّها قدراً لأنه العلم بالله تعالى وأسمائه وصفاته وحقوقه على عباده، ولأنه مفتاحُ الطريق إلى الله تعالى وأساس شرائعه. ولذا أجمعت الرسل على الدعوة إليه . ولما كان هذا شأن التوحيد، كان لِزاماً على كل مسلم أن يعتني به تعلماً وتعليماً واعتقاداً ودعوةً ليبني دينه على أساس سليم واطمئنان وتسليم يسعُد بثمراته ونتائجه .
ونتكلم في هذا الموضوع ( أصول الدين ) لأسباب كثيرة منها :
- لآداء واجب النصيحة لعامة المسلمين ولخاصة طلبة العلم في أمور تتعلق بالعقيدة ، لأنه لا يستقيم الدين إلا بسلامة الاعتقاد وصحة العمل .
- لما ظهر من إخلال ببعض أصول اعتقاد السلف وتقصيرٍ فيما يجب نحوها علماً وفهماً وتطبيقاً ودعوة إليها .
- ولعدم اهتمام كثير من الدعاة إلى الله وطلبة العلم والخطباء ببيان هذه الأصول للعقيدة الإسلامية الصحيحة التي كان عليها سلفنا الصالح رضي الله عنهم .
لهذه الأسباب ولغيرها رأينا الحديث في هذا الأمر العظيم . أما أهم أمور البحث فهي :
مقدمة ثم بيان مفهوم أصول الدين والاعتقاد إجمالاً وأن هذه الأصول واحدة عند الرسل وعند سلف الأمة وسائر الأئمة وأن مصدرها واحد عندهم وأن الاعتصام بأصول الدين والاعتقاد أمرٌ متعين وفرض على كل مسلم ومسلمة . ثم ذكر خصائص أصول الدين ومعتقديها . ثم ذكر أهدافها ومقاصدها المترتبة على التمسك بها . ثم ذكر موجز لأصول الدين والاعتقاد . ثم الخاتمة .
1- مفهوم أصول الدين أو أسس العقيدة الإسلامية : هي أصول الإيمان الستةِ التي أجاب بها رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل حين سأله عن الإيمان فقال"" أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره"" رواه مسلم وغيره . وقد دلّ على هذه الأصول الكتاب والسُنة والإجماع . فالعقيدة الإسلامية هي الإيمان الجازم بهذه الأصول وما يتفرع منها من أمور الغيب وأصول الأحكام القطعية وسائر أصول الدين والاعتقاد التي أجمع عليها سلفنا الصالح . وهذه الأصول عند الأنبياء واحدة كما قال رسول الله "" إنّا معشر الأنبياء ديننا واحد "" متفق عليه . قال النووي رحمه الله ( أصل إيمانهم واحد وشرائعهم مختلفة، فإنهم متفقون في أصول التوحيد ) شرح صحيح مسلم(15/120) وكذلك قال ابن حجر في فتح الباري(6/489) بل ان أول دعوة الرسل واحدة وهي الدعوة إلى عبادة الله وحده لا شريك له ، وكذلك وحدة الاعتقاد عند سلف الأمة وسائر الأئمة ثابتة عنهم كما قال ابن القيم في كتابه مفتاح دار السعادة(2/143) وذلك لأن مصادر التلقي عندهم واحدة أيضاً وهي القرآن والسنة والإجماع، فالقرآن الكريم هو أساس اعتقادهم وكانوا يفسرون القرآن بالقرآن وإلا فبالسنة وإلا فبالصحيح من أقول الصحابة وإلا ما أجمع التابعون عليه، كما قال ابن تيمية في مقدمة التفسير ، انظر الفتاوى(13/363)
فإذا كانت أصول الدين والاعتقاد واحدة عند سائر الأئمة فلا يتوهم بعض الناس أن تعدد المذاهب الفقهية هو تعدد في المذاهب العقدية عند الأئمة لأن هذه المذاهب الفقهية نشأت بعدهم بعشرات السنين ولو ثبت اختلاف الأئمة في المذاهب الفقهية فإنهم اتفقوا في أصول الدين والاعتقاد ولذلك قال ابن تيمية رحمه الله ( اعتقاد الشافعي واعتقاد سلف الإسلام كمالك والثوري والأوزاعي وابن المبارك وأحمد بن حنبل واسحاق بن راهوية، فإنه ليس بين هؤلاء الأئمة وأمثالهم نزاع في أصول الدين ) الفتاوى(5/256) وقال الإمام الأصفهاني في الحجة في بيان المحجة(2/224) ( لو طالعت جميع كتبهم ـ أي السلف ـ من أولهم إلى آخرهم مع اختلاف بلدانهم وزمانهم ، وجدتهم في بيان الاعتقاد على وتيرة واحدة لا ترى بينهم اختلافاً ولا تفرقاً في شيئ ما )
2- خصائص أصول الدين ومعتقديها : أصول الدين وهي أسس العقيدة الإسلامية، عقيدة السلف أهل السنة والجماعة، لها خصائص وسمات تميزها وأهلها عن المعتقدات الأخرى ومن هذه الخصائص:
أ – سلامة المصدر، وذلك باعتمادها على الكتاب والسنة وإجماع السلف .
ب- أنها تقوم على التسليم لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم لأنها غيب .
ج- اتصال سندها بالرسول صلى الله عليه وسلم وبالصحابة والتابعين لهم بإحسان .
د- الوضوح والبيان وخلوها من التعارض والتناقض والفلسفات .
هـ- سلامتها من الاضطراب والتناقض وسلامة اتباعها من التلبس في البدع والآثام والكبائر إلا ما ندر .
و- هي عقيدة الجماعة والاجتماع لأنها الطريقة المثلى لوحدة المسلمين .
ز- البقاء والثبات والاستقرار وأنها سبب الظهور والنصر كما ورد في الحديث"" لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك "" مسلم والترمذي ، وهو متواتر