السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وصف الجنة كانك تراها بالتفصيل
وبينا أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع لهم نور، فرفعوا رؤوسهم، فإذا الرب قد أشرف عليهم من فوقهم، فقال: السلام عليكم يا أهل الجنة، وذلك قول الله: (سلام قولا من رب رحيم)، تريدون شيئا أزيدكم؟ فيقولون: ربَّنا، وأي خير لم تفعله بنا؟ ألست أعنتنا على سكرات الموت، وآنستَ منا الوحشة في ظلمات القبور، وآمنتَ روعتنا عند النفخة في الصور، ألستَ أقلتَ عثراتنا، وسترتَ علينا القبيح من فعلنا، وثبَّتَ على جسر جهنم أقدامنا، ألستَ الذي أدنيتنا من جوارك، وأسمعتنا لذاذة منطقك، وتجليتَ لنا بنورك، فأي خير لم تفعله بنا! ألم تُبيِّض وجوهنا، ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار. فيكشف الحجاب، فينظر إليهم وينظرون إليه، فما أُعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل، ولا يلتفتون إلى شيء من النعيم ما داموا ينظرون إليه، حتى يحتجب عنهم، ويبقى نوره وبركته عليهم في ديارهم، قال تعالى: (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة).
وأهل الجنة إذا رأوا ربهم وأرادوا الانصراف، يُعطى كل رجل منهم رمانة خضراء، فيها سبعون حلة، لكل حلة سبعون لونا، ليس منهم حلة تشبه الأخرى، فإذا انصرفوا عن ربهم مروا في أسواق الجنة، ليس فيها بيع ولا شراء، وفيهما من الخلل والسندس والإستبرق، والحرير والرفرف والعبقري، من در وياقوت، وأكاليل معلقة، فيأخذون من تلك الأسواق من هذه الأصناف ما شاءوا، ولا ينقص من تلك الأسواق شيئا، وفيها صور كصور الناس، مِن أحسن ما يكون من الصور، مكتوب في نحر كل صورة منها: مَن تمنى أن يكون مثل صورتي جعل الله حسنه على صورتي، فمَن تمنى أن يكون حسن وجهه مثل حسن تلك الصورة، جعله الله على تلك الصورة، ثم ينصرفون إلى منازلهم.
وبينما هم في مجلس لهم إذ سطع لهم نور على باب الجنة، فرفعوا رؤوسهم، فإذا الرب تبارك وتعالى قد أشرف عليهم، فقال: يا أهل الجنة، سلوني، فقالوا: نسألك الرضا عنا، قال: رضائي أحلّكم داري، وأنالكم كرامتي، وهذا أوانها فسلوني، قالوا: نسألك الزيادة، فيُؤتَون بنجائب من ياقوت أحمر، أزمّتها من زمرد أخضر وياقوت أحمر، فيُحملون عليها، تضع حوافرها عند منتهى طرفيها، فيأمر الله عز وجل بأشجار عليها الثمار، فتجيءُ حوار من الحور العين، وهُن يقلن: نحن الناعمات فلا نبأس، ونحن الخالدات فلا نموت،أزواج قوم مؤمنين كرام.
ويأمر الله عز وجل من مسك أبيض أذفر، فينثر عليهم ريحاً يقال لها المثيرة، حتى تنتهي بهم إلى جنة عدن، فتقول الملائكة: يا ربنا، قد جاء القوم، فيقول: مرحباً بالصادقين، مرحباً بالطائعين، فيكشف لهم الحجاب، فينظرون إلى الله تبارك وتعالى، فيتمتعون بنور الرحمن، حتى لا ينظر بعضهم بعضاً، ثم يقول: أرجعوهم إلى القصور بالتحف، فيرجعون وقد أبصر بعضهم بعضاً، فذلك قوله: (نزلاً من غفور رحيم).
وإن ربك عز وجل اتخذ في الجنة وادياً أفيح من مسك أبيض، فإذا كان يوم الجمعة نزل تبارك وتعالى من عليين على كرسيه، ثم حف الكرسي بمنابر من نور، وجاء النبيون حتى يجلسوا عليها، ثم حف المنابر بكراسي من ذهب، ثم جاء الصديقون والشهداء حتى يجلسوا عليها، ثم يجيء أهل الجنة حتى يجلسوا على الكثيب، فيتجلى لهم ربهم تبارك وتعالى حتى ينظروا إلى وجهه، وهو يقول: أنا الذي صدقتُكم وعدي، وأتممتُ عليكم نعمتي، هذا محل كرامتي، فسلوني، فيسألونه الرضا، فيقول الله عز وجل: رضائي أحلكم داري، وأنالكم كرامتي، فسلوني، فيسألونه حتى تنتهي رغبتهم، فيفتح لهم عند ذلك ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، إلى مقدار منصرف الناس يوم الجمعة، وهو من الجمعة إلى الجمعة، ثم يصعد الرب تبارك وتعالى على كرسيه، فيصعد معه الشهداء والصديقون، ويرجع أهل الغرف إلى غرفهم، درة بيضاء، لا فصم فيها ولا وصم، أو ياقوتة حمراء، أو زبرجدة خضراء، منها غرفها وأبوابها، مطردة فيها أنهارها، متدلية فيها ثمارها، فيها أزواجها وخدمها، فليسوا إلى شيء أحوج منهم إلى يوم الجمعة، ليزدادوا فيه نظراً إلى وجهه تبارك وتعالى، ولذلك دُعي يوم المزيد.
وإذا كان يوم الجمعة في الحين الذي يخرج فيه أهل الجمعة إلى جمعتهم، نادى منادٍ: يا أهل الجنة اخرجوا إلى دار المزيد، لا يعلم سعتها وعرضها وطولها إلا الله عز وجل، فيخرجون في كثبان من المسك، وإنه أشد بياضاً من الدقيق، فيخرج غلمان الأنبياء بمنابر من نور، ويخرج غلمان المؤمنين بكراسي من ياقوت، فإذا وُضعت لهم، وأخذ القوم مجالسهم، بعث الله تبارك وتعالى عليهم ريحاً تُدعى المثيرة، تُثير عليهم أثابير المسك الأبيض، فتُدخله من تحت ثيابهم، وتُخرجه في وجوههم وأشعارهم، فتلك الريح أعلم كيف تصنع بذلك المسك من امرأة أحدكم، ولو دُفع إليها كل طيب على وجه الأرض، ثم يوحي الله سبحانه إلى حملة العرش، فيوضع بين ظهراني الجنة، وبينه وبينهم الحجب؛ فيكون أول ما يسمعون منه أن يقول: أين عبادي الذين أطاعوني بالغيب ولم يروني، وصدقوا رسلي واتبعوا أمري؟ فسلوني، فهذا يوم المزيد، فيجتمعون على كلمة واحدة: رب رضينا عنك فارض عنا، فيرجع الله تعالى في قولهم: يا أهل الجنة، إني لو لم أرض عنكم لما أسكنتُكم جنتي، فسلوني، فهذا يوم المزيد، فيجتمعون على كلمة واحدة: رب وجهك أرنا ننظر إليه، فيكشف الله تبارك وتعالى تلك الحجب، ويتجلى لهم، فيغشاهم من نوره شيء، لولا أنه قضى عليهم أن لا يحترقوا لاحترقوا مما غشيهم من نوره، ثم يُقال لهم: ارجعوا إلى منازلكم، فيَرجعون إلى منازلهم وقد خَفُوا على أزواجهم وخفين عليهم، مما غشيهم من نوره تبارك وتعالى، فإذا صاروا إلى منازلهم ترادّ النور، وأمسكن حتى يرجعوا إلى صورهم التي كانوا عليها، فتقول لهم أزواجهم: لقد خرجتم من عندنا على صورة، ورجعتم على غيرها، فيقولون: ذلك بأن الله تبارك وتعالى تجلى لنا فنظرنا منه إلى ما خفينا به عليكم، فلهم في كل سبعة أيام الضعف على ما كانوا، وذلك قوله عز وجل: (فلا تعلم نفسٌ ما أخفي لهم من قرة أعين، جزاءً بما كانوا يعملون).